قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ
مَنْ دَسَّاهَا
مُقَدِّمَة
بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيْمِ
اَلْحَمْدُ
لِلهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أنْ هَدَانَا
اللهُ ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنَا المُخْتَارِ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ
الأخْيَارِ . ( وبعد )
فَاعْلَمُوا
مَعَاشِرَ الإِخْوَانِ جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذَّاكِرِينَ لَهُ كَثِيرًا
وَمِنَ الَّذِيْنَ لاَ تُلْهِهِمْ أمْوَالُهُمْ وَلاَ أوْلاَدُهُمْ عَنْ ذِكْرِ
اللهِ . اَنَّ الذِّكْرَ مِنْ أعْظَمِ الأُمُوْرِ الفَضَائِلِ وَأَفْضَلِ القُرُبَاتِ
وَأَوْصَلِ الوَسَائِل . قَالَ تَعَالَى : وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ . العنكبوت :
45
يَأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُروا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوْهُ بُكْرَةً وَأصِيلاً
. الحزاب : 41
وَاذْكُرْ
رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ
وَالآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ . الأعراف : 205
اَلَّذِيْنَ
آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ألاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ
القُلُوبُ . الرعد : 28
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلاَ أوْلاَدُكُمْ عَنْ
ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ . المنافقون :
9
اِسْتَحْوَذَ
عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبَ الشَّيْطَانِ
ألاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ . المجادلة : 19
وَفِي
هِذِهِ آياَتٌ كَثِيرَةٌ وَأحَادِيثُ لاَ تُحْصَى وَلَيْسَ لِي فِي هَذَا المَجْمُوعِ
إلاَّ الكِتَابَةُ وَالجَمْعُ جَمَعْتُهُ مِنَ الكُتُبِ المُتَنَوِّعَة وَخَاصِيَّتِهَا
مِنْ سِرِّ الأسْرَارِ وَالغَنِيَةِ لِطَالِبْي طَرِيقَ الحَقِّ عَزَّ وَجَلْ وَجَامِعِ
أُصُولِ الأَوْلِيَاءِ وَخَزِينَةِ الأَسْرَارِ وَقَلاَئِدِ الجَوَاهِرِ وَفَتْحِ
العَارِفِينَ وَتَنْوِيرِ القُلُوبِ وَالفُيُوضَاتِ الرَّبَّانِيَة وَمِنَحِ السَّنِيَّةِ
وَغَيْرِهَا مِنْ كَلاَمِ العُلُمَاءِ الرَّاسِخِيْنَ وَالصُّلَحَاءِ العَارِفِينَ
أدَامَ اللهُ مَنْفَعَتُهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ وَنَصْرَهُمْ بِشَفَاعَةِ
النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ سَيِّدِ الإنْسِ وَالجَانِ
وَبِكَرَامَةِ سَيِّدِي الشَّيْخِ عَبْدِالقَادِرِ الجِيْلانِي قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ
.
اَلْفَصْلُ الأوَّلُ فِي بَيَانِ مَاهِيَّةِ
النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ
وَأمَّا
مَاهِيَّةُ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ فَهُوَ اَفْضَلُ وَأشَدُّ تَأْثِيرًا وَهُوَ كَلِمَةُ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ . قَالَ اللهُ تَعَالَى :
فَاعْلَمْ
أنَّه لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ . محمد :
19
قَالَ
النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ : أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أنَا وَالنَّبِيُونَ
مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ . ثُمَّ قَالَ : مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللهُ خَالِصًا مُخْلِصًا دَخَلَ الجَنَّةَ .
ثُمَّ
قَالَ : لَيْسَ عَلَى أهْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ وَلاَ
فِي نُشُورِهِمْ .
ثُمَّ
قَالَ : لَوْ جَاءَ قَائِلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ بِقُرَابِ الأَرْضِ ذُنُوْبًا
لَغَفَرَ اللهُ ذَلِكَ .
وَهَذِهِ
الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ كَمَا تُطَهِّرُ الذَّاكِرُ عَنِ الشِّرْكِ الجَلِيِّ تُطَهِّرُ
اَيْضًا عَنِ الشِّرْكِ الخَفِي وَتَجْعَلْهُ خَالِصًا مُخْلِصًا ، وَأيْضًا أنَّ
هَذِهِ الكَلِمَةَ تُجَرِّدُ القُلُوبَ عَنْ حُجُبِ العَلاَئِقِ العُنْصُرِيَّة وَتُزَكِّي
النُّفُوسَ عَنِ الرَّذَائِلِ وَالصِّفَاتِ الحَيَوَانِيَّةِ وَتَكْشِفُ لَذَاكِرِهَا
عَلَى الدَّوَامِ ، الصِّدْقَ وَالإخْلاَصَ العُلُومَ اللَّدُنِّيَّةِ وَالأسْرَارَ
الغَيْبِيَّةِ وَتَشْهَدُهُ أنْوَاعَ التَّجَلِّيَاتِ الإلَهِيَّةِ بِشَرْطِ أخْذِهَا
مِنْ قَلْبِ تَقِيٍّ نَقِيٍّ مِمَّا سِوَى اللهِ لاَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ يُسْمَعُ مِنْ
أفْوَاهِ العَامَّةِ . وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ وَاحِدًا لَكِنَّ فِي المَعْنَى تَفَاوُتٌ
لأَنَّ القَلْبَ يَجِيئُ إِذَا أَخَذَ بَذْرَ التَّوْحِيدِ مِنْ قَلْبٍ حَيٍّ فَيَكُونُ
بَذْرًا كَامِلاً وَبَذْرُ غَيْرِ البَالِغِ لا يُنْبِتُ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللهَ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَهُ . رَوَاهُ البُخَارِي وَمُسْلِمْ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَاكِرُ اللهِ فِي الغَافِلِينَ كَالشَّجَرَةِ
الخَضْرَاءِ فِي وَسَطِ الهَشِيْمِ .
وَقالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَاكِرُ اللهِ تَعَالَى فِي الغَافِلِينَ
كَالحَيِّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ .
قَالَ
اللهُ تَعَالَى ( أفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُوْرٍ
مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَّةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولَئِكَ فِي
ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) الزُّمَرُ : 22
قَالَ
اللهُ تَعَالَى :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْنَ ) اَلصَّفُ : 9
قَالَ
اللهُ تَعَالَى :( هَوُ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيْهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإنْ
كَانُوا مِنْ قَبْلِ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِيْنٍ ) الجُمْعَة : 2
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُوْلاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ
الحَكِيمُ ) اَلْبَقَرَةُ : 129
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا
وَمَنِ اتَّبَعَنيِ ) يُوسُفُ : 108
فَيَا أَيُّهَا الإخْوَانِ اِنْتَبِهُوا وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ مَعَ هَذِهِ القَوَافِلِ الرُّوحَانِيَةِ فَعَنْ
قَرَيبٍ يَنْقَطِعُ الطَّرِيقَ وَلاَ يُوجَدُ الرَّفِيقُ إِلَى ذَلِكَ العَالمَِ وَمَا
كُنَّا جِئْنَا لِنَقْعَدَ بِالمُهِمَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ الخَبِيثَةِ ، فَنَبِيُّكُمْ
مُنْتَظِرٌ مَغْمُومٌ ِلأجْلِكُمْ .
قَالَ
النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( غَمِّي لأجْلِ أُمَّتي الَّذِينَ
في آخِرِ الزَّمَانِ ) .
لأنَّ
أُمَّتَهُ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثَةِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً . وَعَنْ عَبْدِاللهِ
بِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالاَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : أنَّ بَني إِسْرَائِيلَ افْتَرَقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً
كُلُّهَا فيِ النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةٌ وَسَتَفْرَقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثَةٍ وَسَبْعِينَ
فِرْقَةً كُلُّهَا في النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةٌ ، قَالُوا وَمَا تَلْكَ الوَاحِدَةُ
؟ قَالَ : مَنْ كاَنَ عَلَى مِثْلِ أنَا عَلَيْهِ وَأصْحَابِي .
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةً يَهْدُوْنَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُوْنَ
. الأَعْرَافُ : 181
وَقَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ . الذَّارِيَاتِ
: 56
أيْ
لِيَعْرِفُونِ . فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ كَيْفَ يَعْبُدُهُ ، فَالمَعْرِفَةُ إَنَّمَا
تَحْصُلُ بِكَشْفِ الحِجَابِ عَنْ حُجُبِ النَّفْسِ عَنْ مِرْآةِ القَلْبِ بِتَصْفِيَتِهَا
فَيَرَى فِيهَا جَمَالَ الكَنْزِ المَخْفِي فِي سِرِّ لُبِّ القَلْبِ .
قَالَ
اللهُ تَعَالَى فِي حَدِيثِ القُدْسِي : كُنْتُ كَنْزًا مَخْفِيًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ
أُعْرَفَ فَخَلَقْتُ الخَلْقَ لِكَيْ أُعْرَفَ .
فَلِهَذَا
تَبَيَّنَ أنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الإِنْسَانَ لِمَعْرِفَتِهِ . فَالمَعْرِفَةُ
عَلَى نَوْعَيْنِ ، مَعْرِفَةِ صِفَاتِ اللهِ وَمَعْرِفَةِ ذَاتِهِ . فَمَعْرِفَةُ
الصِّفَاتِ تَكُونُ حَظَّ الجِسْمِ فِي الدَّارَيْنِ وَمَعْرِفَةُ الذَّاتِ تَكُونُ
حَظَّ الرُّوْحِ القُدْسِ فِي الآخِرَةِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى ( إِلَى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ ) القِيَامَةُ : 3
وَكَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَقِّنُ هَذِهِ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ
لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِتَصْفِيَةِ قُلُوبِهِمْ وَتَزْكِيَةِ نُفُوسِهِمْ
وَإيصَالِهِمْ إِلَى الحَضْرَةِ الإلهَيَّةِ وَالسَّعَادَةِ القُدْسِيَّةِ ، وَعَنْ
عَلِيِّ ابْنِ أبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ سَيِّدَ
الخَلاَئِقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلَ سَيِّدُ المَلاَئِكَةُ
عَلَيْهِ السَّلاَم : مَا نُزِّلَتْ بِكَلِمَةٍ أَعْظَمَ مِنْ كَلِمَةِ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللهُ وَبِهَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالبَرُّ
وَالبَحْرُ أَلاَ وَهِيَ كَلِمَةُ النَّجَاةِ وَهِيَ كَلِمَةُ العُلْيَا .
وَفِي
حَدِيْثٍ آخَرَ وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَهِيَ كَلِمَةُ الإخْلاَصِ وَهِيَ كَلِمَةُ
التَّقْوَى وَهِيَ كَلِمَةُ الطَّيِّبَةِ وَهِيَ كَلِمَةُ دَعْوَةِ الحَقِّ وَهِيَ
عُرْوَةُ الوُثْقَى وَثَمَنُ الجَنَّةِ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ ، قَالُوا كَيْفَ
نُجَدِّدُ إيمَانَنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ ؟ قَالَ : بِكَثْرَةِ قَوْلِ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللهُ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ : مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللهِ فَقَدْ
بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذِكْرُ اللهِ عِلْمُ الإيمَانِ وَبَرَائِهِ
مِنَ النِّفَاقِ وَحُصِنَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَحُرِزَ مِنَ النِّيْرَانِ .
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ
طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتَى أُكُلَهَا كُلَّ
حِيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
. إِبْرَاهِيمُ : 24
وَقَدْ
أَثْبَتَ اللهُ بِهَا قُلُوبَ المُحِبِّينَ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : يُثَبِّتُ
اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الآخِرَةِ وَيُضِلَّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ . إبراهيم
: 27
وَأَثْبَتَ
اللهُ تَعَالَى شَجَرَةَ التَّوْحِيْدِ أَصْلُهَا ثَابِتٌ فِي الأَرْضِ السَّابِعَةِ
بَلْ فِي الثَّرَى وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ إِلَى مَا فَوْقَ العَرْشِ ، وَزَرَعَ
بَذْرَ التَّوْحِيدِ فِي أرْضِ القَلْبِ لِتُنْبِتَ فِيهِ شَجَرَةُ التَّوْحِيدِ أصْلُهَا
ثَابِتٌ فِي هَوَاءِ السِّرِّ وَتُثْمِرُ عَلَيْهَا ثَمَرَةُ التَّوْحِيْدِ لِرِضَاءِ
اللهِ وَنَتِيجَةُ العَمَلِ الصَّالِحِ حَيَاةُ حَقِيقَةُ الإِنْسَانِ المُسَمَّى
بِطِفْلِ المَعَانِي .
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ
. فَاطِرُ : 10
قَالَ
اللهُ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا
وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا . الكَهْفُ : 110
الفَصْلُ الثَّانِي فِي بَيَانِ كَيْفِيَةِ
ذِكْرِ الجَهْرِ
وَكَيْفِيَةِ
أنْ يَبْتَدِئَ الذَّاكِرُ بِقَوْلِ " لاَ " مِنْ تَحْتِ السُّرَّةِ وَيَمُدُّهَا
حَتَّى يَنْتَهِيَ بَهَا إِلَى الدِّمَاغِ فِي الرَّأسِ ، وَيَبْتَدِئُ بَعْدَهَا
بِهَمْزَةِ " إِلَهَ " مِنَ الدِّمَاغِ بِالتَّخَيُّلِ وَيَنْزِلُ بِهَا
حَتىَّ يَنْتَهِيَ إِلَى كَتِفِهِ اليُمْنَى وَيَبْتَدِئُ بَعْدَهَا بِهَمْزَةِ
" إِلاَّ اللهُ " بِالتَّخَيُّلِ مِنَ الكَتِفَةِ اليُمْنَى وَيَمُدُّهَا
بِالنُّزُوْلِ عَلَى كُرْسِيِّ الصَّدْرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَلْبِ الصَّنُوبَرِيِّ
فِي الجَانِبِ الأَيْسَرِ تَحْتَ عِظَامِ
الجَنْبِ وَالضِّلْعِ فَيَضْرِبُ الجَلاَلَةَ بِقُوَّةِ النَّفْسِ المَحْبُوسَةِ عَلَى
سُوَيْدَاءِ القَلْبِ حَتَّى يَتَأَثَّرَ بِحَرَارَتِهِ جَمِيْعُ البَدَنِ بِحَيْثُ
يَحْتَرِقُ جَمِيعُ الأَجْزَاءِ الفَاسِدَةِ فِي البَدَنِ وَيَتَنَوَّرُ مَا فِي
البَدَنِ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّالِحَةِ بِنُورِ الجَلاَلَةِ فَيُحِيطُ عَلَى مَحَلَّ
اللَّطَائِفِ كُلِّهَا وَيُلاَحَظُ مَعْنىَ التَّهْلِيلِ أيْ لاَ مَقْصُودَ إِلاَّ
اللهُ . وِمِنْ كَلِمَةِ النَّفْيِ يَنْفِي جَمِيعَ وُجُودِ المُحْدَثَاتِ مِنَ
النَّظَرِ وَالاِعْتِبَارِ وَيَنْظُرُهَا نَظَرَ الفَنَاءِ . وَمِنْ كَلِمَةِ الإِثْبَاتِ
يُثْبِتُ فِي قَلْبِهِ وَنَظَرِهِ ذَاتَ الحَقِّ تَعَالَى وَيَنْظُرُ وُجُودَ ذَاتِ
الحَقِّ نَظَرَ البَقَاءِ وَفِي آخِرِهَا عِنْدَ الوُقُوفِ عَلَى عَدَدِ الوِتْرِ
، يَقُوْلُ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ ، وَشَرَائِطُهُ أنْ يَكُوْنَ الذَّاكِرُ
عَلَى وُضُوْءٍ تَامٍّ وَأنْ يَذْكُرَ بِضَرْبٍ شَدِيْدٍ وَصَوْتٍ قَوِيٍ حَتَّى تَحْصُلَ
أنْوَارُ الذِّكْرِ فِي بَوَاطِنِ الذَّاكِرِيْنَ وَتَصِيْرَ قُلُوبُهُمْ أحْيَاءً
بِهَذِهِ الأَنْوَارِ حَيَاةً أبَدِيَّةً أُخْرَوِيَةً ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى
:
لاَ
يَذُوْقُوْنَ فِيْهَا المَوْتَ إِلاَّ المَوْتَةَ الأُوْلَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ
الجَحِيمِ . الدُّخَانُ : 56
قَالَ
النَّبَيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : المُؤْمِنُوْنَ لاَ يَمُوْتُوْنَ بَلْ
يُنْقَلُوْنَ مِنْ دَارِ الفَنَاءِ إِلىَ دَارِ البَقَاءِ .
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُوْتُوا قَبْلَ أنْ تَمُوتُوا .
وَمَنْ
أرَادَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى مَيِّتٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فََلْيَنْظُرْ إِلَى
أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : المُؤْمِنُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ
الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ .
وَقَالَ
عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَآى رَبِّيَ قَلْبِي بِنُوْرِ رَبِّي . فَرُؤْيَةُ
اللهِ تَعَالَى لاَ تَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا لَكِنْ تَحْصُلُ رُؤْيَةُ صِفَاتِ
اللهِ فِي مِرْآةِ القَلْبِ ، وَالقَلْبُ مُشْبِهٌ بِالحِجَارَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
تَعَالَى :
ثُمَّ
قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالحِجَارَةِ أوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
. البَقَرَةُ : 73
فَكَمَا
أنَّ الحَجَرَ لاَ يَنْكِسِرُ إِلاَّ بِقُوَّةٍ ، فَكَذَلِكَ الذِّكْرُ لاَ يُؤَثِّرُ
فِي جَمِيعِ شَتَاتِ قَلْبِ صَاحِبِهِ إِلاَّ بِقُوَّةٍ . قَالَ اللهُ تَعَالَى :
وَأنْ
لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيْقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا . الجِنُّ
: 16
قَالَ
الشَّيْخُ الكَامِلُ إِبْرَاهِيمُ المَتْبُولي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ
فِي الذِّكْرِ إِلَى أنْ تَحْصُلَ لَكُمْ الجَمْعِيَّةَ كَالعَارِفِيْنَ . الجَمْعِيَّةُ
هِيَ اِجْتِمَاعُ الهِمَمُ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى اللهِ وَالاِشْتِغَالِ بِهِ عَمَّا
سِوَاهُ بِإزَائِهَا . وَقَدْ قَالُوا إِذَا ذَكَرَ المُرِيدُ رَبَّهُ بِشِدَّةٍ وَعَزْمٍ
طُوِيَتْ لَهُ مَقَامُهُ الطَّرِيقِ بِسُرْعَةٍ بِغَيْرِ بُطْءٍ فَرُبَّمَا قَطَعَ
فِي سَاعَةٍ مَالاَ يَقْطَعُهُ غَيْرُهُ فِي شَهْرٍ أوْ أكْثَرَ . قَالَ الشَّيْخُ
أبُو المَوَاهِبِ الشَّاذِلِي : اِخْتَلَفُوا أيُّمَا اَفْضَلُ الذِّكْرُ سِرًّا
أوْ جَهْرًا ، وَالَّذِي أقُوْلُ بِهِ أنَّ الذِّكْرَ جَهْرًا أفْضَلُ لِمَنْ غَلَبَتْ
عَلَيْهِ القُوَّةَ مِنْ أهْلِ البِدَايَةِ ، وَالذِّكْرُ سِرًّا اَفْضَلُ لِمَنْ
غَلَبَتْ عَلَيْهِ الجَمْعِيَّةُ مِنْ أهْلِ النِّهَايَةِ . وَقَالَ البُخَارِيُّ
في صَحِيحِهِ مِنْ بَابِ الذِّكْرِ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ : حَدَّثَنَا إسْحَاقُ ابْنُ
عَبْدِالرَّحْمَنِ قَالَ أخْبَرَنَا جُرَيْحٌ قَالَ أخْبَرَنَا عَمْرٌو ، أنَّ مَعْبَدَ
مَوْلََى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أخْبَرَهُ : أنَّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ
حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسَ مِنَ المَكْتُوبَةَ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إبْنِ عَبَّاسٍ : كُنْتُ أعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا
بِذَلِكَ إذًا سَمِعْتُهُ قَالَ سَيِّدِي أحْمَدْ قَشَّاسَ قَدَّسَ اللُه سِرَّهُ
: هَذَا دَلِيلُ فُضْلِ ذِكْرِ الجَهْرِ الَّذِي يَسْمَعُهُ الغَيْرُ فَيَذْكُرَ
اللهُ بِذِكْرِهِ لِلهِ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
ألاَ
أدُلُّكَ عَلَى مَلاَكِ الأَمْرِ الَّذِي تُصِيبُ بِهِ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ عَلَيْكَ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَإذَا خَلَوْتَ فَحَرِّكْ
لِسَانَكَ بِذِكْرِ اللهِ .
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ
وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ . الكهف : 28
اَلفَصْلُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ أصْلِ
التَّلْقِينِ وَالعَهْدِ
فَأَمَّا
العَهْدُ لَهُ أصْلٌ جَاءَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مُبَايَعَتِهِ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ .
فَقَدْ رَوَى أَحْمَدْ وَالطَّبْرَانِي ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَقَّنَ أصْحَابَهُ جَمَاعَةً وَفُرَادَى . وَأَمَّا تَلْقِينُهُمْ جَمَاعَةً
فَقَدْ رَوَى شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ : كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ فِيكُمْ غَرِيْبٌ
، يَعْنِي مِنْ أهْلِ الكِتَابِ فَقُلْتُ لاَ ، فَأَمَرَ بِغَلْقِ البَابِ وَقَالَ
اِرْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ ، وَقُولُوا لاُ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ثُمَّ قَالَ اَلحَمْدُ
لِلهِ اَللّهُمَّ إِنَّكَ بَعَثْتَني بِهَذِهِ الكَلِمَةِ وَوَعَدْتَّنِي عَلَيْهَا
الجَنَّةَ وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ المِيعَادَ .
ثُمَّ
قَالَ ألاَ أبْشِرْ فَإِنَّ اللهَ غَفَرَ لَكُمْ .
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مِنْ قَوْمٍ اِجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ
اللهَ تَعَالَى لاَ يُرِيدُونَ ذَلِكَ إِلاَّ وَجْهَهُ إِلاَّ نَادَاهُمْ مُنَادٍ
مِنَ السَّمَاءِ قُُومُوا مَغْفُورِينَ لَكُمْ قَدْ بَدَّلْتُ لَكُمْ مَغْفُورِينَ
سَيِّئَاتِكُمْ حَسَنَاتٍ .
وَقَالَ
اللهُ تَعَالَى : فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ ذَلِكَ هُوَ
الفَوْزُ العُظِيْمُ . التَّوْبَة : 111
وَأمَّا
تَلْقِينُهُمْ فُرَادَى ، فَقَدْ قَالَ يُوسُفُ الكُورَانِي وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ
أنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهً عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ :
دُلَّنِي
عَلَى أَقْرَبِ الطُّرُقِ وَأسْهَلُهَا عَلَى عِبَادِهِ وَأفْضَلُهَا عِنْدَهُ تَعَالَى
، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلىَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ بِمُدَاوَمَةِ ذِكْرِ
اللهِ سِرًّا وَجَهْرًا أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ
إِلَهَ اللهًُ وَلَوْ أنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالأَرْضِينَ السَّبْعِ في كَفَّةٍ
وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ في كَفَّةٍ لَرَجَحَتْ بِهِنَّ ، ثُمَّ قَالَ يَا عَلِيُّ
لاَ تَقُومُ القِيَامَةُ وَعَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَنْ يَقُولُ لاَ إلَهَ إلاَّ
اللهُ ، قَالَ عَلِيٌ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ :
كَيْفَ أذْكُرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غَمِّضْ عَيْنَيْكَ وَاسْمَعْ مِنِّي لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ
ثُمَّ قُلْهَا ثَلاَثًا وَأنَا أسْمَعَ ، فَقَالَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ
مُغْمِضًا عَيْنَيْهِ رَافِعًا صَوْتَهُ وَعَلِيٌ يَسْمَعُ ،ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ
لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ كَذَلِكَ ، وَالنَّبِيُ يَسْمَعُ .
وَهَذِهِ
نِسْبَةُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فِي تَلْقِينِ الذَّكْرِ . وَأمَّا نِسْبَةُ
البَاطِنِيَّةِ في تَلْقِينِ الأَذْكَارِ القَلْبِيَّةِ فَذَلِكَ بِإثْبَاتٍ مِنْ
غَيْرِ نَفْيٍ بِلَفْظِ اِسْمِ الذَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
قُلِ
اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ . الأنْعَامُ : 19
وَلِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِعَلّيٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ : يَا عَلِيُّ ! اَغْمِضْ عَيْنَيْكَ
وَأَلْصِقْ شَعْبَكَ وَاَعْلِ لِسَانَكَ وَقُلْ اَللهُ اَللهُ .
وَهَذِهِ
نِسْبَةُ الصِّدِّيْقِ الأعْظَمِ الَّتي أَخَذَهَا بَاطِنًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الذِّكْرُ الَّذِي وُقِّرَ في قَلْبِهِ وَعُنِيَ
بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ .
مَا
فَضَّلَكُمْ أبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَوْمٍ وَلاَ صَلاَةٍ بَلْ بِشَئٍ وُقِّرَ في
قَلْبِهِ .
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : اَلَّذِيْنَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ
ألاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبَ . الرَّعْدُ : 28
وَقَدْ
تَفَرَّعَتْ نِسْبَةُ جَمِيعِ الطُّرُقِ مِنْ هَاتَيْنِ النِّسْبَتَيْنِ أيْ ذِكْرِ
الجَهْرِ وَالخَفِيِّ فَهُمَا أصْلاَنِ وَمَعَهُمَا عَوْنُ الرَّحْمَنِ لأنَّ الذَّكْرَ
سَبَبُ الوُصُولِ وَالمَحْبُوبِيَّةِ فَلاَ يُسْلَبُ إِلاَّ مِمَّنْ أرَادَ اللهُ
تَعَالَى بِهِ المَقْتُ وَالشَّقَاوَةَ وَالغَضَبَ فَإذَا حَصَلَ لَهُ الاِنْكِسَارُ
يَعُودُ حَالَهُ .
قَالَ
اللهُ تَعَالَى أنَا عِنْدَ المُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ .
وَقِيلَ
يَقُولُ إذَا اَرَدْتَ مِنّي ذَلِكَ هُوَ عَيْنُ مُرَادِي ، ثُمَّ يَذْكُرُ بِلَطِيَفَةِ
القَلْبِ فَهُوَ تَحْتَ الثَّدْيِ الأَيْسَرِ بِقَدْرِ أُصْبُعَيْنِ فَإذَا خَرَجَ
نُورُ تِلْكَ اللَّطِيفَةِ مِنْ حِذَاءِ كَتِفِهِ وَعَلاَ أوْ حَصَلَ فِيهِ اِخْتِلاَجٌ
أوْ حَرَكَةٌ قَوِيَّةٌ فَلْيُلَقِّنْ بِلَطِيفَةِ الرُّوْحِ فَهِيَ تَحْتَ الثَّدْيِ
الأَيْمَنِ بِإصْبَعَيْنِ وَالذِّكْرُ فِيهَا وَالوُقُوفُ فِي القَلْبِ كَمَنْ يَنْظُرُ
إِلَى الطَّرَفَيْنِ بِنَظَرٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ إذَا وَقَعَتِ الحَرَكَةُ فِيهَا وَاشْتَغَلَتْ
فَلْيُلَقِّنْ بِلَطِيفَةِ السِّرِّ وَهِيَ فَوْقَ الثَّدْيِ الأَيْسَرِ بِإِصْبَعَيْنِ
فَيَكُونُ الذِّكْرُ فِيهَا وَالوُقُوفُ فِي القَلْبِ أيْضًا ، ثُمَّ إذَا اشْتَغَلَتْ
أيْضًا فَلْيُلَقِّنْ بِلَطِيفَةِ الخَفِيِّ وَهِيَ فَوْقَ الثَّدْيِ الأَيْمَنِ بِإِصْبِعَيْنِ
ثُمَّ يُلَقِّنْ بِلَطِيفَةِ الأَخْفَى وَهِيَ وَسَطِ الصَّدْرِ فَيَشْتَغِلُ بِهَا
كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ بِلَطِيفَةِ النَّفْسِ وَهِيَ مَابَيْنَ العَيْنَيْنِ وَالحَاجِبَيْنِ
مَعَ الوُقُوفِ القَلْبِي في جَمِيعِ ذِكْرِ اللَّطَائِفِ ثُمَّ بِلَطِيفَةِ الجَسَدِ
فَيَذْكُرُ بَجَمِيعِ الجَسَدِ كُلِّهِ بَعْدَ بَسْطَ الوُقُوفِ جَمِيعَ أجْزَائِهِ
وَمَنَابِتُ شَعْرِهِ ، فَإِذَا أثَّرَ الذِّكْرُ في الجَسَدِ كُلِّهِ إِمَّا بِالاِخْتِلاَجِ
اللَّطِيفِ أوْ بِجَرَيَانِ الذِّكْرِ في جَمِيعِ الجَسَدِ الكَثِيفِ فَيَكُونُ كَالقَلْبِ
يَتَحَرَّكُ بِالذِّكْرِ مِنْ أسْفَلِهِ إلَى أعْلاَهُ وَيُسَمَّى سُلْطَانَ الذِّكْرِ
. قَالَ اللهُ تَعَالَى :
وَلَذِكْرُ
اللهِ أكْبَرُ . العنكبوت : 45
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ
مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ . الأعْرَافُ
: 25
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا صَبَّ اللهُ شَيْئًا في صَدْرِي
إلاَّ وَصَبَبْتُهُ في صَدْرِ أبي بَكْرٍ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلىَ صُوَرِكُمْ
وَلاَ إِلىَ أعْمَالِكُمْ بَلْ يَنْظُرُ إِلَى بَاطِنِكُمْ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ لِكُلِّ شَئٍ مَعْدِنًا وَمَعْدِنُ
التَّقْوَى قُلُوبُ العَارِفِينَ .
عَنْ
مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ . رواه
أبو داود والحاكم .
وَقَالَ
صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَعَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ ، قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقِنُّوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللهُ . رَوَاهُ مُسْلِمْ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ
وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهَا قَالَ اللهُ تَعَالَى كَذَبْتَ يَا عَبْدِي لِمَ تَقُولُ
مَالاَ تَفْعَلُ .
قَالَ
اللهُ تَعَالَى فَاسْئَلوُا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ . النَّحْلُ
: 32
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ القِيَامَةِ أعْمَى . طَهَ : 23
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَمَنْ كَانَ في هَذِهِ أعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أعْمَى وَأضَلُّ
سَبِيلاً . بَنِي إسْرَائِيلُ : 72
فَإِنَّهَا
لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتي في الصُّدُورِ . الحج
: 36
وَقَالَ
سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُالقَادِرْ الجيلاَني قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ : وَسَبَبُ عُمْيِ
القَلْبِ الجَهْلُ عَنْ حَقِيقَةِ الأَمْرِ الإِلَهِي .وَسَبَبُ الجَهْلِ اِسْتِيلاَءُ
صِفَاتِ النَّفْسِ الظُّلْمَانِيَّةِ عَلَيْهِ كَالْكِبْرِ وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ
وَالبُخْلِ وَالعُجْبِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ
الذَّمَائِمِ وَسَبَبُ تَنَزُّلِهِ إِلَى أسْفَلِ السَّافِلِينَ لِهَذِهِ الصِّفَاتِ
النَّفْسِ الذَّمَائِمِ وَإِزَالَةِ هَذِهِ الذَّمَائِمِ بِتَصْقِيلِ مِرْآةِ القَلْبِ
بِمِصْقَلِ التَّوْحِيدِ وَبِالعِلْمِ وَالعَمَلِ وَالمُجَاهَدَةِ القَوِيَّةِ ظَاهِرًا
وَبَاطِنًا حَتَّى تَحْصُلَ حَيَاةُ القَلْبِ بِِنُورِ التَّوْحِيدِ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ لِكُلِّ شَئٍ صِقَالَةً وَإِنَّ
صِقَالَةَ القُلُوبِ ذِكْرُ اللهِ وَاعْلَمْ
أنَّ مُخَالَفَةَ النَّفْسِ وَمُدَافَعَةِ مُرَادِهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَجِهَادٌ عَظِيْمٌ
وَأمْرٌ فَخِيمٌ .
فَقَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ . العنكبوت : 6
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى
فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى . النَّازِعَاتُ : 31
وَقَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ
. يُوْسُفْ : 53
قَالَ
عَلَيْهِ السَّلاَمُ : أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي اِتِّبَاعُ الهَوَى وَطُولُ
الأَمَلِ .
أَمَّا
اِتِّبَاعُ الهَوَى فَيَصُدُّكَ عَنِ الحَقِّ وَأمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي
الآخِرَةَ .
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اَفْضَلُ الجِهَادُ أنْ يُجَاهِدَ
الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَهَوَاهُ . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ الشَّدِيْدُ بِالصُّرْعَةِ
إنَّمَا الشَّدِيْدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
.
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أعْدَى أعْدَاؤُكَ نَفْسُكَ الَّتِي
بَيْنَ جَنْبَيْكَ .
قَالَ
تَعَالَى : قَدْ اَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا . الشَّمْسُ
: 9-10
وَهَذِهِ
النَّفْسُ مَذْمُومَةٌ عِنْدَ كُلِّ شَخْصٍ في كُلِّ زَمَانٍ بَلْ جَمِيعُ المِلَلِ
مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَمِّ النَّفْسَ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مَكْرِهَا وَخِدَاعِهَا وَعَدَمِ
المَيْلِ إِلَى غُرُورِهَا . فَذَلِكَ مِنْ أَئِمَّةِ الطَّرِيقِ أوْ اِشْتِغَالِ
المُرِيدِ بِقَهْرِهَا وَرِيَاضَتِهَا وَمُخَالَفَةِ هَوَاهَا وَقَطْعِ مَألُوفَاتِهَا
وَشَهَوَاتِهَا وَأَمَرُوهُ بِالحَذَرِ مِنْهَا وَمِنْ مَكْرِهَا وَألْزَمُوهُ بِمُحَاسَبَتِهَا
.
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أنْ
تُحَاسَبُوا .
قَالَ
بَعْضُ العَارِفِينَ لاَ بَأْسَ بِتَنَاوُلِ بَعْضِ الشَّهَوَاتِ المُبَاحَةِ لِلنَّفْسِ
إذَا ضَعُفَتْ عَنِ القِيَامِ بِالعِبَادَةِ كَمَا أنَّهُ لاَ بَأْسَ بِلِبْسِ الثِّيَابِ
الفَاخِرَةِ إِظْهَارًا لِنِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى لاَ بَأْسَ بِأَكْلِ الطَّعَامِ
اللَّذِيذِ وَشُرْبِ المَاءِ اللَّذِيْذِ البَارِدِ لأَجْلِ اِسْتِجَابَةِ الأَعْضَاءِ
لِلشُّكْرِ بِعَزْمٍ وَقُوَّةٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ السَّادَاتُ الشَّاذِلِيَّة فَقَدْ
كَانَ العَارِفُ الشَّاذِلِي يَقُولُ ِلأصْحَابِهِ كُلُوا مِنْ أَطْيَبِ الطَّعَامِ
وَاْشْرَبُوا مِنْ ألَذِّ الشُّرْبِ وَنَامُوا عَلَى أَوْطَأِ الفِرَاشِ وَالْبِسُوا
ألْيَنَ الثِّيَابِ وَأكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ .
فَقَالَ
اللهُ تَعَالَى : يَاأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ
أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ
. المُنَافِقُونَ : 9
وَقَالَ
اللهُ تَعَالَى كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ
مُفْسِدِيْنَ . البَقَرَةُ : 60
فَإِذَا
فَعَلَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ وَقَالَ الحَمْدُلِلهِ يَسْتَجِيبُ كُلُّ عُضْوٍ فِيهِ لِلشُّكْرِ
بِخِلاَفِ مَا إِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقُوْلُ الحَمْدُلِلهِ وَعِنْدَهُ
اِشْمِئْزَازٌ وَبَعْضُ سُخْطٍ عَلَى مَقْدُورِ اللهِ وَقَالَ عَلِيُّ القَادِرِيُّ
لَيَذْكُرُنَّ أقْوَامٌ فِي الدُّنْيَا عَلَى الفِرَاشِ المُهْمَدَةِ يُدْخِلُهُمُ
اللهُ الجَنَّاتِ العُلَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أنَّ المُلُوكَ وَالأُمَرَاءِ وَمَنْ
يَجْرِي مَجْرَاهُمْ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا وَالمَنَاصِبِ لاَ تَمْنَعُهُمْ حِشْمَنُهُمْ
وَرَفَاهَتُهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَهُمْ فِي ذَلِكَ مَأْجُورُونَ مُثَابُونَ
يُدْخِلُهُمْ اللهُ بِرَحْمَتِهِ الجَنَّاتِ العُلَى وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى طَرِيقَةِ
بَعْضِ السَّادَاتِ الصُّوفِيَّةِ كَالنَّقْشَبَنْدِيَةِ وَالشَّاذِلِيَّةِ وَالكِبْرَاوِيَةِ
اِنْتَهَى ، وَفي الرَّاسِخَاتِ ، قَالَ بَهَاءُ الدِّينِ النَّقْشَبَنْدِي : كُلِ
الطَّعَامَ جَيِّدًا وَاشْتَغِلْ جَيِّدًا . وَهَذَا القَدْرُ يَكْفِي لِلعَارِفِ
قَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُالقَادِرْ الجِيلاَنيِ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ : وَكَانَ
المَالُ خَادِمَكَ وَأَنْتَ خَادِمُ المَوْلَى فَتَعِيْشَ فِي الدُّنْيَا مُذَلَّلاً
وَفِي العُقْبَى مُطَيِّبًا مُكَرَّمًا .
وَقَالَ
النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ مَنْ تَرَكَ دُنْيَاهُ
لآخِرَتِهِ وَلاَ آخِرَتَهُ لِدُنْيَاهُ حَتَّى يُصِيْبُ مِنْهُمَا جَمِيعًا ، فَإِنَّ
الدُّنْيَا بَلاَغٌ إِلىَ الآخِرَةِ وَلاَ تَكُونُوا كَلاًّ عَلَى النَّاسِ ، اِبْنِ
عَسَاكِرُ .
وَقَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَابْتَغِ فِيمَا أَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ
نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ
الفَسَادَ فيِ الأَرْضِ إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِيْنَ . القَصَصُ : 77
اَلفَصْلُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ وُجُوبِ
ذِكْرِ الأَسَانِيدِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إِلىَ الرَّسُولِ وَمَا لاَ بُدَّ لَكَ مُرِيدٍ
مِنْهُ
وَاعْلَمْ
أنَّ مَنْ لاَ يَعْرِفُ أبَاهُ وَأجْدَادُهُ في الطَّرِيقِ فَهُوَ مَطْرُودٌ وَكَلاَمُهُ
دَعْوَى غَيْرُ مَقْبُولََةٍ ، وَرُبَّمَا اِنْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، فَيَدْخُلُ
قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لَعَنَ اللهُ مَنْ اِنْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ
.
وَقَالَ
الشَّعْرَانِي فِي الأَنْوَارِ القُدْسِيَّةِ : قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الطُّرُقِ عَلَى
وُجُوبِ اِتَّخَاذِ الإِنْسَانِ شَيْخًا يُرْشِدُهُ إِلَى زَوَالِ تِلْكَ الصِّفَاتِ
الَّتي تَمْنَعُهُ مِنْ حَضْرَةِ اللهِ تَعَالَى بِقَلْبِهِ لِتَصِحَّ صَلاَتُهُ مِنْ
بَابِ مَا لاَ يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ ، وَلاَ شَكَّ أنَّ عِلاَجَ
أَمْرَاضِ البَاطِنِ كُلَّهُ وَاجِبٌ كَمَا تَشْهَدْ بِهِ الآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ
.
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا . البقرة : 10
وَقَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا
إلىَ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ . التوبة : 125
قَالَ
تَعَالَى : وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمَ وَبَاطِنَهُ . الأنعام : 120
فَاعْلَمْ
أنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ لَهُ شَيْخًا يُرْشِدُهُ إِلَى الخُرُوجِ عَنْ هَذِهِ
الصِّفَاتِ فَهُوَ عَاصٍ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ لأَنَّهُ لاَ يَهْتَدِي لِطَرِيقِ
العِلاَجِ وَلَوْ تَكَلَّفَ لاَ يَنْفَعُ بِغَيْرِ شَيْخٍ وَلَوْ حَفِظَ أَلْفَ كِتَابٍ
، وَقَدْ أَجْمَعَ السَّلَفُ كُلُّهُمْ عَلَى أنَّ مَنْ لَمْ يَصِحُّ لَهُ نَسَبُ
القَوْمِ لاَ يَجُوزُ أنْ يُلَقِّنَهُمْ ذِكْرًا وَلاَ شَيْئًا مِنَ الطَّرِيقِ إِذَا لَبِسَ فِي الطَّرِيقِ إنَّمَا هُوَ اِرْتِبَاطُ
القُلوُبِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى حَضْرَةِ الحَقِّ جَلَّ جَلاَلَهُ فَمَنْ لَمْ يَتَّصِلْ سِلْسِلَتُهُ بِالنَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَقْطُوعُ الفَيْضِ وَلَمْ يَكُنْ وَارِثًا
لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْهُ المُبَايَعَةُ
وَالإِجَازَةُ لأنَّ الطَّرِيقَ إلَى الحَقِّ تَعَالَى ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، فَظَاهِرُهَا
الشَّرِيعَةُ وَبَاطِنُهَا الحَقِيقَةُ فَالشَّرِيعَةُ مُؤَيِّدَةٌ بِالحَقِيقَةِ
وَالحَقِيقَةُ مُقَيَّدَةٌ بِالشَّرِيعَةِ ، فَكُلُّ الشَّرِيعَةِ غَيْرُ مُؤَيَّدَةٌ
بِالحَقِيقَةِ فَغَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَكُلُّ حَقِيقَةٍ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالشَّرِيعَةِ
فَغَيْرُ مَقْبُولَةٍ أيْضًا ، فَالشَّرِيعَةُ أنْ تَعْبُدَهُ وَالحَقِيقَةُ أنْ تَشْهَدَهُ
، أنَّ أهْلَ الظَّاهِرِ هُمْ أهْلَ الشَّرِيعَةِ وَأنَّ أهْلَ البَاطِنِ هُمْ أهْلَ
الحَقِيقَةِ وَهُمَا مُتَلاَزِمَانِ حَقِيقَةً .
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الشَّرِيعَةُ أقْوَالٌ وَالطَّرِيقَةُ
أفْعَالٌ وَالحَقِيقَةُ أحْوَالٌ وَالمَعْرِفَةُ رَأْسُ المَالِ . جَامِعُ الأُصُولِ
.
فَاعْلَمْ
أنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلعَبْدِ أَسْبَابًا بِعَدَدِ أنْفَاسِ الخَلاَئِقِ يَصِلُ
بِهَا إِلَى حَضْرَةِ الرَّبَانِيَّةِ وَيَعْتَكِفُ بِهَا بِمُعْتَكِفِ الحَضْرَةِ
الرَّحمْانِيَّةِ إنَّمَا يَصِلُ بِالتَّلْقِينِ وَالتَّعْلِيمِ مِنْ شَيْخٍ مَأْذُونٍ
إجَازَتُهُ صَحِيحَةٌ مُسْتَنِدَةٌ إلَى صَاحِبِ الطَّرِيقِ وَهُوَ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الذِّكْرُ لاَ يُفِيدُ فَائِدَةً تَامَّةً
إِلاَّ بِالتَّلْقِينِ . قَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُالقَادِرِ الجِيلاَنِي قَدَّسَ
اللهُ سِرَّهُ : اِعْلَمْ يَا وَلَدِي وَفَّقَنَا اللهُ تَعَالَى وَإيَّاكَ وَالمُسْلِمِينَ
آمِينَ وَأُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ وَلُزُومِ الشَّرْعِ وَحِفْظُ حُدُودِهِ
، وَاعْلَمْ يَا وَلَدِي وَفَّقَنَا اللهُ تَعَالَى وَإيَّاكَ وَالمُسْلِمِينَ أنَّ
طَرِيقَتَنَا هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأُصُولُ القَادِرِيَّةِ
خَمْسَةٌ : عُلُوُّ الهِمَّةِ وَحِفْظُ الحُرْمَةِ وَحُسْنُ الخِدْمَةِ وَنُفُوذُ
العَزْمَةِ وَتَعْظِيمِ النِّعْمَةِ فَمَنْ عَلَتْ هِمَّتُهُ اِرْتَفَعَتْ مَرْتَبَتُهُ
وَمَنْ حَفِظَ حُرْمَةَ اللهِ حَفِظَ اللهُ حُرْمَتُهُ وَمَنْ حَسُنَتْ خِدْمَتُهُ
وَجَبَتْ كَرَامَتُهُ وَمَنْ نَفَذَ عَزْمَتُهُ دَامَتْ هِدَايَتُهُ وَمَنْ عَظُمَتْ
النِّعْمَةَ في عَيْنِهِ شَكَرَهَا وَمَنْ شَكَرَهَا اِسْتَوْجَبَ المَزِيدُ مِنَ
المُنْعِمِ حَسْبَمَا وَعَدَهُ .
وَقَالَ
الشَّعْرَانِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : وَإِيَّاكَ أنْ تَقُولَ طَرِيقُ الصُّوفِيَّةِ
لَمْ يَأْتِ بِهَا كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ فَإِنَّهُ كُفْرٌ كُلُّهَا أخْلاَقٌ مُحَمَّدِيَّةٌ
وَسِيرَةٌ أَحْمَدِيَةٌ وَسُنَنٌ إِلَهِيَّةٌ ثُمَّ اِعْلَمْ أنَّ الرِّيَاضَاتِ
لاَ تُفِيدُ وَلاَ تُقَرِّبُ العَبْدُ إِلَى اللهِ تَعَالَى مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى
مُوَافَقَةِ الشَّرِيعَةِ وَمُتَابَعَةِ السُّنَّةِ . وَقَالَ الشَّيْخُ جُنَيْدُ
البَغْدَادِيُّ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ : الطُّرُقُ كُلُّهَا مَسْدُودَةٌ عَلَى الخَلْقِ
إِلاَّ مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ
عَلَيْهِ السَّلاَمُ : تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا كِتَابَ
اللهِ وَسُنَّتِي .
لِمَا
وَرَدَ فِي الحَدِيثِ العُلُمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ
.
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُنْ مَعَ اللهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
مَعَ اللهِ فَكُنْ مَعَ مَنْ كَانَ مَعَ اللهِ فَإِنَّهُ يُوصِلُكَ إِلَيْهِ .
رواه البيهقي .
عَنْ
اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أصْحَابي كَالنُّجُومِ
بِأَيِّهِمْ اِقْتَدَيْتُمْ اِهْتَدَيْتُمْ .
قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : طُوبَى لِمَنْ رَآنيِ وَآمَنَ بِي ،
وَطُوبَى لِمَنْ رَآى مَنْ رَآى مَنْ رَآني وَآمَنَ بِي وَطُوبَى لَهُمْ وَحَسُنَ
مَآبٍ . رواه الطبراني والحاكم
عَنْ
عَبْدِاللهِ اِبْنِ بِشْرٍ ، قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُاللهِ السُّلَمِي قَدَّسَ اللهُ
سِرَّهُ وَقَوْلُهُ : طُوبَى لِمَنْ رَآني وَطُوبَى لِمَنْ رَآى مَنْ رَآى مَنْ رَآى
مَنْ رَآى مَنْ رَآني ، أيْ طُوبَى لِمَنْ أثَّرَ فِيهِ بَرَكَاتُ نَظَرِي وَمُشَاهَدَتِي
، وَلِمَنْ أثَّرَ مُشَاهَدَةُ أصْحَابِي وَهَكَذَا حَالاً بَعْدَ حَالٍ إلى أنْ يَبْلُغَ
حُكَمَاءُ الأُمَّةِ أَوْلِيَاءَ اللهِ تَعَالَى في أَزْمِنَةٍ ، فَكُلُّ أثَرٍ فِيهِ
نَظَرُ حَكِيمٍ أوْ مُشَاهَدَةُ وَلِّي ، فَإنَّمَا ذَلِكَ التَّأثِيرُ مِنْ نَظَرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أصْحَابِهِ عَلَى اِخْتِلاَفِ
أحْوَالِهِمْ فَأَثَّرَ كُلُّ وَاحِدٌ بِحَسَبِ حَالِهِ وَلِهَذَا جَرَتِ التَّأْثِيرَاتِ
مِنَ المَشَايِخِ لِلمُرِيدِينَ ، وَيَجْرِي إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ لأَنَّ إِسْنَادِ
الحَالِ كَإِسْنَادِ الأَحْكَامِ وَالسِّلْسِلَةِ مَنَافِذُ هِمَمُ المَشَايِخِ
الرَّبَّانِيَّةِ وَمِيزَابُ الفُيُوضِ وَمَجْرَى الحِكْمَةِ مِنَ البَحْرِ المُحَمَّدِّيَةِ
وَمَنْظَرُ أسْرَارُ المَلاَئِكَةِ القُدْسِّيَّةِ وَمَظْهَرُ التَّجَلِّيَاتِ الإِلِهِيَّةِ
وَسُلَّمُ المُرِيْدِينَ وَمَعَارِجَ السَّالِكِينَ إِلىَ العُلُومِ المَلَكُوتِيَّةِ
وَالجَبَرُوتِيَّةِ وَاللاَّهُوتِيَّةِ وَتَجَاوُبُ أرْوَاحِ المَشَايِخِ مِنَ الشَّيْخِ
الحَيِّ إلىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حَضْرَةِ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَيُفِيضُونَ إلى أنْوَاعِ الأسْرَارِ عَلَيْهِ وَالتَّجَلِّيَاتِ وَالبَرَكَاتِ
وَيَتَوَجَّهُونَ إِليْهِ بِمُقْتَضَى نِيَّتِهِ وَحُصُولِ مُرَادِهِ . فَالمَشَايِخِ
هُمُ الطَّرِيقَةُ إلى اللهِ تَعَالَى وَالأَدِلاَّءُ عَلَيْهِ وَالبَابُ الَّذِي
يَدْخُلُ مِنْهُ إلَيْهِ ، فَلاَ بُدَّ لِكُلِّ مُرِيدٍ لِلهِ مِنْ شَيْخٍ عَلَى مَا
بَيَّنَاهُ إِلاَّ عَلَى النُّذُورِ وَالشُّذُوذِ فَيَجُوزُ أنْ يَصْطَفِىَ اللهُ
عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ فَيَتَوَلَّى تَرْبِيَتُهُ وَحِرَاسَتُهُ عَنِ الشَّيْطَانِ وَهَنَاتِ النَّفْسِ وَالهَوَى كَإِبْرَاهِيمَ
النَّبِيَّ وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ صَلَواتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمَا وَأُوَيْسِ
القَرْنِي مِنَ الأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ رَحِمَهُمُ اللهُ فَلاَ يُنْكِرُ إِلاَّ
أنَّا بَيَّنَّا مَا هُوَ الأَغْلَبُ وَالأَكْثَرُ وَالأَسْلَمُ وَالأَحْسَنُ كَمَا
تَعَلَّمَتِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثُمَّ التَّابِعُونَ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابِعُ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ قَرْنًا بَعْدَ
قَرْنٍ وَعَصْرًا بَعْدَ عَصْرٍ وَمَازَالَتْ الأَوْلِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ وَالأَبْدَالُ
كَذَلِكَ مِنْ بَيْنَ أُسْتَاذٍ وَتِلْمِيذٍ كَالحَسَنِ البَصْرِي وَتِلْمِيذَهُ
عُتْبَةُ الغُلاَمُ وَسِرِّ السِّقْطِي وَغُلاَمُهُ وَابْنِ أُخْتِهِ أبي القَاسِمِ
الجُنَيْدِي البَغْدَادِي وَغَيْرِهِمْ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ
إِلاَّ وَلَهُ صَاحِبٌ يَهْتَدِي بِهُدَاهُ وَيَقْفُوا أَثَرَهُ وَيَتَبَعُ مَذْهَبَهُ
وَيَهْدِي هُدَاهُ ثُمَّ يَخْلِفُ مَكَانَهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ .
وَقَالَ
اللهُ تَعَالَى : إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ
اللهَ وَرَسُولَهُ وَالذِّينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ .
المائدة : 55-56
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أوْلاَدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ
عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فًأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ
الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ . السبأ : 37
وَعَنْ
أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أنَّهُ قَالَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبَ رَبُّنَا مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الجَنَّةِ فِي
السَّلاَسِلِ .
قَالَ
سَيِّدِي الشَّيْخُ عَبْدُالقَادِرِ الجِيلاَنِي قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ : فَالوَاجِبُ
عَلَى الإِنْسَانِ طَلَبُ حَيَاةِ القَلْبِ الأُخْرَوِي مِنْ أهْلِ التَّلْقِينِ
في الدُّنْيَا قَبْلَ فَوْتِ الوَقْتِ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ
، وَمَنْ لَمْ يَزْرَعْ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَحْصُدْ في الآخِرَةِ . فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِرْجِعُوا إِلَى أَهْلِيْكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ
أنَّ التَّلقِينَ الذِّكْرِ لِبَعْضِ أهْلِ الدُّنْيَا مِنْ ذَوِي المَنَاصِبِ وَالأَشْرَافِ
وَالمَكَاسِبِ ثَابِتٌ مِنَ السَّلَفِ وَمُجْتَهِدِي الطُّرُقِ وَعَلَى طَرِيقِ
التَّبَرُّكِ وَالمَحْسُوبِيَّةِ لاَ بِإِرَادَةِ السُّلوُكِ وَالتَّرْبِيَةِ قَبْلَ
تَرْكِ الدُّنْيَا وَالمَنَاصِبِ وَتَبَسُّطِهِمْ في المَلاَبِسِ وَالمَفَارِشِ وَتَلَبُّسِهِمْ
بِالمُخَالَفَةِ .
فَيَقُولُ
تَلْقِينِ الذِّكْرِ لِبَعْضِ أهْلِ الدُّنْيَا وَالمَنَاصِبِ والأشْرَافِ وَالمَكَاسِبِ
وَالصَّنَائِعِ وَالمَلاَّحِ وَالتُّجَّارِ وَالرَّاعِي وَالقَرَوِيّ عَلَى طَرِيقِ
التَّبَرُّكِ وَطَرْدِ الغَفْلَةِ عَنِ القَلْبِ القَاسِي وَتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ
وَالتَّخَلُّصَ مِنَ البَلاَيَا وَالنَّجَاةُ مِنْ أنْواعِ المَكَارِهِ وَالسُّوءِ
وَالنِّقْمَةِ حَتَّى يَنْصَقِلَ فَيَخْشَعَ وَيُنِيبَ إِلَى دَارِ الخُلُودِ وَيَتَجَافَى
عَنْ دَارِ الغُرُورِ فَيَتَرَقَّى بِالتَّدْرِيجِ إِلَى التَّوْبَةِ فَمَا فَوْقَهَا
وَلُْيُسَارِقِ الشَّيْخُ نَفْسَهُ الأَمَّارَةُ الآبِيَّةَ بِالتَّدْرِيبِ وَالتَّوْطِينِ
لِئَلاَّ تَنْفِرَ وَتَمُلَّ وَتَيْأَسَ مِنَ الإصْلاَحِ وَقَطْعِ الرَّجَاءِ فَتُصِرُّ
عَلَى المَعَاصِي أمْرٌ حَسَنٌ وَهُوَ مِنْ سِيَاسَاتِ الإِرْشَادِ وَلَوْ قَالَ لَهُ
مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ وَاتْرُكْ وَاخْرُجْ مِنْ كُلِّ المَظَالِمِ وَصَحِّحْ التَّوْبَةَ
وَإلاَّ فَلاَ أُلَقِّنُكَ الذِّكْرَ وَلاَ يَكُونُ لَكَ قُبُولٌ يُنْتِجُ الهِدَايَةَ
لَنَفَرَ لإسْتِصْعَابِهِ كُلُّ ذَلِكَ وَيَحْرُمُ تِلْكَ الفَائِدَةَ وَرُبَّمَا
يَصِلُ إِلَى حَدِّ اليَأْسِ وَهَذِهِ السِّيَاسَةَ مَوْرُوثَةٌ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الأشْرَافِ وَالرُّؤُسَاءِ وَالكِبَارِ
، قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُالقَادِر الجيلاني : إذَا جَاءَكُمُ الفَقِيرُ فَلاَ تَبْدَءُوهُ
بِالعِلْمِ فَابْدَءُوهُ بِالرِّفْقِ فَإنَّ العِلْمَ يُوحِشُهُ وَالرِّفْقُ يُؤْنِسُهُ
.
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنةِ
. النمل : 125
قَالَ
اللهُ تَعَالَى : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا
غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وَشَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحْيِ
المُتَوَكِّلِينَ . آل عمران : 150
فَلَهُ
الحَمْدُ وَمَا تَوْفِيقي إِلاَّ بِاللهِ .
قَدْ
تَمَّ هَذاَ المَجْمُوعُ المُسَمَّى بِمِفْتَاحِ الصُّدُورِ في بَيَانِ ذِكْرِ
اللهِ الرَّحِيمِ الغَفُورِ، جَمَعَ مِنْ كَلاَمِ العُلَمَاءِ الكِبَارِ غَفَرَ
اللهُ لَهُمْ وَعَفَى عَنْهُمْ وَيَنْفَعُنَا بِبَرَكَاتِهِمْ وَبِأسْرَارِهِمْ وَبِعُلُومِهِمْ
آمِينَ . جَمَعَهُ الفَقِيرُ إِلَى عَفْوِ رَبِّهِ القَدِيرُ الحَاجُّ أحْمَدُ صَاحِبُ
الوَفَاءِ تَاجِ العَارِفيِنَ . سُورْيَالِيَا تَاسِكْمَلاَيَا .
قَدْ
تَمَّ مِنَ الكِتَابَةِ بِتَارِيخِ 6 شَوَّال 1393 هجرية
Izin copi faste miftahussudur.buat di print hanya untuk pribadi.. boleh gak ?
ReplyDeleteAssalamu'alaikum. Wr. Wb
ReplyDeleteIzin copy paste
haturnuhun jazaakallaah. aamiin
Assalamu'alaikum terimakasih ini sangat baik dan bermanfaat
ReplyDelete